بقلم المهندس/ طارق بدراوى
قامت حضارة الفيوم خلال الفترة من عام 4500 ق.م وإستمرت حتي عام 3550 ق.م وتشير الأبحاث الأثرية إلي أن الموقع الذي ينسب إلي العصر الحجري الحديث بالفيوم إنما يدل علي فترة إستقرار طويل وكان إختيار إنسان هذا العصر للفيوم كمكان لإستقراره إختيار موفق يشير إلي حسن درايته بتأثيرات الرياح وإتجاهاتها والعوامل الجوية الأخري ومن ثم فقد إختار مواقع تحتمي من الرياح بالصخور التي تحيط بالشاطئ الشمالي لبحيرة قارون الحالية فضلا عن قربها من الخلجان والتعاريج الساحلية حيث صيد الأسماك كما أنها لم تكن بعيدة عن المناطق التي تكونت بسبب إنحسار البحيرة فقاموا بزراعتها .
وتنقسم حضارة الفيوم إلي مجموعتين حضارة الفيوم أ وحضارة الفيوم ب وقام بالتنقيب عن هاتين الحضارتين عالمتان إنجليزيتان إحداهما مسز جاردنر والأخرى مسز كيتون طومبسون حيث كشفتا عن العديد من الأكوام الأثرية في موقع الفيوم وكشفت الحقائق التي أجريت في هذه الأكوام عن وجود قريتين تدلان علي الإستقرار ومرحلة الزراعة حيث كشفت عن أدوات كثيرة منها المواقد وأواني الطهي وبقايا فقرات عظام الأسماك والحيوانات والحبوب والأدوات الزراعية وأدوات الصيد كالفؤوس التي كان أغلبها من الحجر الصوان المعروف بإسم الظران ومجموعة من الصلايات ومطامير للغلال يبلغ مجموعها 165 مخزنا كما كشف عن رؤوس سهام من الظران لها قاعدة مقعرة وحواف محدبة أحيانا ومستقيمة كما صنع إنسان الفيوم أوانيه الفخارية يدويا بواسطة الأيدي وكانت خشنة الصنع وقد خلطت بالطين ويمكن تمييز 3 أنواع من فخار الفيوم فخار أحمر مصقول وفخار أسود مصقول ويلاحظ أنها خالية من الأيدي والأعناق أو الحافات البارزة وقد برعت هذة الحضارة في صناعة الأسبتة والسلال وكانت تصنع عن طريق جدل سيقان النبات وقد إستخدموا السلال بكثرة في تبطين مخازن الحبوب المطمورة في باطن الأرض وقد أوضحت الحفائر وجود عدد 248 حفرة إستخدمت في طهي الطعام فضلا عن مخازن خاصة وأخري جماعية لخزن القمح والشعير وقد وجدت هذه المخازن بعيدا عن منطقة المساكن فوق ربوة عالية وقد عثر في موقع الفيوم أيضا علي بعض أدوات الزينة مثل الأقراط المصنوعة في ريش النعام وعقود من الحجر الجيري وغيرها من الأحجار وإستخدموا الأصداف في أدوات زينتهم كما صنعوا الأساور والدلايات وبجانب توصل إنسان الفيوم إلي معرفة الزراعة فقد ظل يمارس حرفة الصيد سواء صيد الأسماك من البحيرة أو صيد الحيوانات المتوحشة كفرس النهر والخنزير البري وغيرها وتلك هي حضارة الفيوم أ أما حضارة الفيوم ب فكانت أقل تحضرا وقد عثر علي آثار لها منها أسلحة صغيرة جدا ومثاقب ورؤوس سهام وقد عثر في واحة سيوة والخارجة على أدوات من العصر الحجري الحديث تشبه أدوات حضارة الفيوم بقسميها مما يدل علي أنها كانت متصلة إتصالا وثيقا بالفيوم وحضارتها .
وجدير بالذكر أنه معروض بمتحف مدينة كوم أوشيم التابعة لمحافظة الفيوم الكثير من آثار حضارة الفيوم والتي تتمثل في منتجات الصناعات اليدوية مثل صناعة الأوانى والأوعية والتى إختلفت مواد صناعتها ما بين الزجاج والفخار والأحجار والمعادن والتي منها أوعية تخزين الأطعمة والمشروبات وتخزين مواد التجميل والزيوت علاوة على الأوانى الفخارية المصنوعة من طمى النيل أو طين الصحراء والتى يتم تشكيلها يدويا ويقع هذا المتحف وسط منطقة أثرية تزيد مساحتها عن ٦٠٠ فدان تبدأ بمدينة كرانيس الأثرية بمحافظة الفيوم وقد تم إنشاؤه عام 1974م في عهد الرئيس الراحل أنور السادات ليحكى تاريخ محافظة الفيوم على مر التاريخ وفى عام 1993م تم زيادة مساحة المتحف فألحق به دور علوى وفى عام 2006م أغلق المتحف أبوابه لإجراء أعمال الترميم اللازمة به والتى بدأت فى أوائل عام 2016م وبعد إنتهائها في نهاية عام 2016م بتكلفة إجمالية حوالي 650 أف جنيه قررت وزارة الآثار أخيرا إعادة إفتتاحه بعد ان ظل مغلقا لمدة 10 سنوات وقد جاء ذلك ضمن خطة وزارة الآثار التى تستهدف الإنتهاء من ترميم المتاحف المغلقة وإفتتاحها بما يساهم فى زيادة عدد المناطق الأثرية المفتوحة التي يمكن زيارتها مما يعد تشجيع للسياحة العالمية لمصر من ناحية ومن ناحية أخرى يعد ايضا تشجيع لحركة السياحة المحلية الداخلية لمختلف محافظات مصر التي تزخر بآثار لا مثيل لها في أى بلد آخر في العالم .